أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيد القمنى - فلسفة القيم 4 - نحو تأسيس ثقافة للقيم التحريم بالأمر والنهى ... شر توقفة الحرية .....!!















المزيد.....


فلسفة القيم 4 - نحو تأسيس ثقافة للقيم التحريم بالأمر والنهى ... شر توقفة الحرية .....!!


سيد القمنى

الحوار المتمدن-العدد: 2493 - 2008 / 12 / 12 - 10:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نحو تأسيس ثقافة للقيم
التحريم بالأمر والنهى ... شر
توقفة الحرية .....!!
القيمة هي ناتج تفاعل الفكر الإنساني مع الأشياء المادية و مع الأفكار و المعاني ، القيمة هي قدر أو رتبة أو ثمن ، هي درجة تمييز تترتب تسلسلياً على درجات ، و أدوات قياس القيمة إنسانية نسبية ظرفية ، لأنها مجموع معارفي و علومي التي حصلتها في عصري . و للتبسيط غير المخل مثلاً لو أخذنا لوحة ( الموناليزا ) لزمن الأنبياء و طلبنا تقييمها ، سيتم تقيميها على الأكثر بثلاث دراهم ، درهماً للخشب و درهماً للبوية و درهماً لقطعة القماش ، فقيمتها تتشكل حسب مخزونه المعرفي و خبرته و علومه . و عصا توت عنخ آمون عند البدوي البدائي عصاه كأى عصي ، العلم هنا يتدخل ليمنحها قيمة لم تظهر إلا بعد كشف حجر رشيد و فك رموز الهيروغليفية ، فيقول لنا : " أن هذا العصا لا تقدر بثمن فقيمتها فوق التقييم " ، لذلك يضعها في المتاحف ليراها كل الناس كحق قيمي مشاع ، و يحيطونها بكل ألوان أجهزة الإنذار حرصاً عليها و حماية لها . كذلك لو قارنا زمن نبي الإسلام بزماننا ، فمن الجيد و الجميل أن تقرأ حديث النبي عن عزل المرضى بالطاعون في رؤية ثاقبة ممتازة لزمنها ، لكن زماننا قضى بالعلم البشري على الطاعون نهائياً بعد أن كانت مواجهته تتم بأدعية لا تستجاب .
و الخبرة تزيد القيمة أو تنقص منها ، و هكذا فإن الله لم يخلق القيم و إلا كانت ثابتة ثبات القرآن ، أو لكان خلقها للكلاب و الحمير و أرسل لهم الأنبياء ليدلوهم على قيمهم . و هو ما يعني أنه بدون حضارة إنسانية لا توجد قيم ، لأن حكم القيمة سيصدر على منتج حضاري مادي أو فكري أو سلوكي ، بينما آدم في الغابة كان يفعل وفق الغرائز ولم يكن بحاجة لنظام قيمي .
و إن إصرار فقهائنا المحدثين على شئ لم يرد في نص إسمه ( القيم الإلهية / الدينية / الإسلامية بالطبع ) ، فهو ما يعني أن لله قيماً يراها صالحة لعباده و علي العباد التشبه بهذه القيم الربانية . هذا رغم أن آلهة جميع الأديان يفترض أنها كانت موجودة قبل وجود الإنسان ، و هي بهذا المعنى ليست بحاجة لأى قيم ، لأن الأرباب حسب العقائد الإيمانية هي معصومة ، و ليس لها بالقيم من حاجة ، ليست بحاجة لمعايير تثمن بها أفعالها ، فهي ليست تحت الحساب ، و لا هي تحاسب نفسها ، و القيم و الأخلاق تفترض ضميراً داخلياً بالضرورة يحاسب و يقمع و يزجر ، و هو أمر لا يجوز افتراضه مع الإله الذي لا ولد له و لا مأكل و لا مشرب و لا مسكن ، و ليس بأى حاجة لأدوات تشبع حاجاته حتى يمكن تقييمها ، ليس له حاجة لأنه هو الكمال المطلق ، بغير حاجة لأى قيم لأنه لا يراجع نفسه و لا أحد يراجعه . و الله لا ينتج إلا الصحيح من السلوك ، لذلك هو ليس بحاجة للقيم التي تفاضل بين السلوك الصحيح و السلوك الخطأ ، الله صواب مطلق .
لذلك فإن الإنسان وحده هو مناط التكليف الديني و الإنساني أيضاً ، فهو الذي يمتلك حرية الاختيار ضمن خلقته ، لذلك يكون مسؤولاً عن القيم الأخلاقية أمام المجتمع الإنساني و قانونه و أمام الله أيضاً . أما الله نفسه فهو على العكس تماماً من ذلك ، إنه لا يُسأل و هم يسألون ، و من لا يُسأل لا يكون بحاجة لقيم أخلاقية ، و إذا كان الخلق يخضعون لقيم قررها اللة عليهم ، فمن العسير تصور الخالق خاضعاً لما خلقه من قيم ، فهو لا يخضع لشروط و ليس لفعله حدود . لذلك تكون محاولة توصيف فعال الرب وفق معايير قيمية أمراً غير جائز لأنه يكون مُساءلة للرب ، و مساواة لفعال الرب بفعال خليقته ، لذلك فإن خلط الدين بمفاهيم هي من ابتداع الإنسان ، و قيم هي خلاصة خبرات مجتمعية طويلة ، يسيئ إلى الدين و ربه ، لذلك لنترك الدين و ربه و ننصرف إلي إصلاح واقعنا القيمي بأيدينا ، أما الله فهو يخلق ما يشاء و كيف يشاء و حين يشاء و لا معقب على مشيئته ، و ما يفعله فقهاء زماننا أنهم ينزلون الكامل من عليائه إلى رتبة مخلوقاته ، بما يساوي بين الخالق و المخلوق ، بتطبيق ذات المعيار القيمي على كليهما . و هذا كله إنما يعني أن القيم مسألة إنسانية بحت ، لا علاقة لها بدين من الأديان .
و القيمة كي توجد لابد أن تفترض الحرية في من يقوم بفعل المعايرة و التقييم لينتقي ما يناسبه من قيم ، لذلك تختلف قيم الحجازي عن قيم الإنجليزي ، أما فاقد الحرية كالملائكة فلا يمكن وصف فعلها بأنه خير أو شر أو ذو قيمة صحيحة أو باطلة ، فهي لا تملك إلا الطاعة دون اختيار ، كذلك النبي ، مثله – مع فارق التشبيه – كمثل السلك الموصل للتيار من المصدر المولد إلى المصباح ، لا يتدخل إنما يبلغ فقط ، لذلك هو غير حر في قراراته ، و ليس بدوره بحاجة إلى التقييم و المعايرة .
و لا يبقي لدينا سوى الإنسان الذي يسعي لتحقيق ما يحتاج و يملك حرية الاختيار ، فالقيم كلها صناعة بشرية ، صنعها المجتمع الإنساني عندما ارتقى عن حيوانيته البدوية الأولى ليدير مجتمعه بما يفي بحاجاته ، و طور من تلك القيم مع كل نقلة تطورية حضارية مادية . و لم ينزل الإنسان من الجنة مزوداً بنظرية فلسفية متكاملة في القيم ، إنما اعتمد على المحاولة و التجربة و الخطأ و الصواب ليختار ما يراه صواباً و يستبعد ما يراه خطأ ، و يبقى على المفيد و يستبعد الضار .
السادة أهل الدين ينسبون للدين ما لم يكن فيه ، لأن فلسفة القيم نسبية متطورة ، و ما وصلت إليه اليوم لم يكن معلوماً في معارف الأقدمين ، إن النظرية النسبية لم تكن معلومة قبل آينشتين ، و مشايخنا كمن يقول لنا : إن الخليفة أبي بكر قد عرف النسبية ، و مثلها بالضبط : أن الصحابة قد عرفوا القيم . أهل الدين في بلادنا كل غرضهم تسفيه عالمنا المعاصر خاصة في البلاد المدنية المتقدمة ، كي لا يبقي صحيحاً سوي ما نعتقد ، لأننا خير أمة أخرجت للناس و بقية العالم بهايم ، و كي نكون على صواب ، لابد أن تكون الدنيا كلها على خطأ ، حتى لو كان الواقع على أرضنا يقول بعكس رؤيتنا بالكلية .
و لعل ما يرد على نظرية الخلق الرباني لقيم دينية كاملة منزلة من السماء ، هو ذلك التطور الذي لحق بالقيم على يد الأنبياء ذاتهم ، و هم أنبياء ذات الإله ، و مع ذلك جاء المسيح فنسخ شريعة موسى بنظام جديد ، و جاء محمد ( ص ) ، فجب إسلامه كل ما سبق جباً ، و الموقف المنطقي السهل البسيط هنا لابد أن يقف عند أحد احتمالين لا يجتمعان ، فإما أن نقول و نقر بأن النبي الثاني جاء بقيم من أفكاره هو و غير ربانية بدليل مخالفتها للنبي الأول ، بينما اللة واحد !! فيكون النبي الثاني قد خان ربه !! و إما أن نقول و نقر بالتطور على كل المستويات ، و هو ما يستدعي الاعتراف بعدم وجود قيم دينية ثابتة لا تتغير حسب المفهوم من الدين ، و هو ما يرفع الإصر عن الأنبياء .
و إن إحالة القيم إلى الدين و ربه يجعلها جبرية ، و الجبري لا يعطي الماديات قيمتها الحقيقة ، كالتسعير الجبري للسلع في الأزمات ، بينما السوق الحر هو ما يعطي السلعة قيمتها الحقيقة حسب العرض و الطلب ، لذلك فإن التقييم الذي تجبرني عليه السلطة او الدين أو الإعلام الموجه ، إنما يشكل وعياً زائفاً و قيماً بلا معنى و بدون دلالة واقعية .
و لمزيد من التبسيط نجد الإسلام يجعل المسلم لا يعطي للذهب كوسيلة زينة أى قيمة ، بل هو قيمة سلبية محرمة على الرجل المسلم ، و مثله الحرير ، بينما يترك للمرأة منح ذهب الزينة قيمتة ، و الموضوع واحد ، و المصدر واحد ، هنا لا يقوم الخلاف حول قيمة الذهب لارتباط القيمة بالحلال و الحرام ، و الفارق بين الرجل و المرأة ، فإذا تحدثنا عن القيم إسلامياً لن تجد اتفاقاً ، فللذهب هنا قيمتين قيمة سلبية بالنسبة للرجال ، و قيمة إيجابية بالنسبة للنساء .
و للتمييز بين مفهوم الحرام و الحلال و بين الصواب و الخطأ ، نجد أن من يعرف الحلال و يفرزه و يجنبه عن الحرام هو الدين ، و كلاهما – الحلال والحرام - تم تبليغه للمسلمين من رب العزة ، و المحاسبة عليه قد تكون في الدنيا و قد تكون آجلة بعد البعث و الحساب ، و يمكن العفو عن كل العقوبات بالتوبة و المغفرة و إسقاط الآثام عدا الشرك بالله ، و هو شأن كله رباني لا دور فيه للبشر بالتعديل أو الإلغاء ، أما مفهوم الصواب و الخطأ فهو أمر دنيوي بحت يتعلق بأعمال الإنسان من فنون و إدارة و طب و هندسة ، و هي مجالات لا مكان فيها لمفهوم الحلال و الحرام ، فهي لا تعرف سوى الصواب و الخطأ ، و العلم هو من يضع لها معايير الصواب و الخطأ ، فحفظ المواد الغذائية في درجة حرارة معينة يكون صواباً ، و في درجة حرارة أخرى يكون خطأً ، و إن إديسون أصاب باختراعاته لكن ذلك لن يؤدى بالتأكيد إلى دخوله الجنة ، و الذي يخطئ في امتحان الرياضيات و يرسب لن يدخل جهنم ، و الموظف الذي يخطئ يعاقب طبقاً للقواعد التى أعدها البشر حسب الخطأ و الصواب و ليس حسب الحلال و الحرام .
قد تصل العقوبة إلى فصل الموظف أو حبسه ، لكنها أبداً لا تصل إلى الجلد أو الرجم أو الخلود في العذاب مهاناً ، و الذي يحصل على جائزة نوبل ليس بالضرورة أن يكون مكانه الأخروي هو الفردوس الأعلى ، و الفشل في إطلاق صاروخ لن يدخل صاحبه جهنم . لذلك فالقيم هى إبداع إنساني خالص لا علاقة له بدين من الأديان .
سألجأ هنا إلى تعريف القيمة كما أوردتها أستاذة علم الاجتماع الدكتورة فوزية دياب في كتابها القيم : ( القيم و العادات الاجتماعية ) ، و هي دكتورة علم لا دكتورة دروشة وروشنة فيما ينطق بة كتابها ، لذلك تعطينا تعريفاً واضحاً ،غير ملتبس ، فتقول ( ص 29 ) : " القيمة هي الاعتقاد أن شيئاً ما ذا قيمة و قدرة على إشباع رغبة إنسانية ، و القيمة هي صفة الشئ التي تجعله ذا أهمية للفرد أو الجماعة ، و هي حقيقة سيكولوجية ليست قابلة للقياس . و لابد من تمييز القيمة تمييزاً دقيقاً عن المنفعة لأن حقيقتها تكمن في العقل البشري لا في الشئ . . فالشئ ذو المنفعة الزائفة تكون له القيمة نفسها كما لو كان حقيقياً إلى أن يكتشف هذا الخداع " .
و لو طبقنا هذا التعريف على كلام فقهائنا سنجده يتحدث عن قيماً زائفة خداعية تبدو لنا حقائق ، فيكون لبول البعير قيمة مقدسة رغم قذارته و ضرره الأكيد ، و يكون إرهاب الآمنين و ترويعهم عملاً شريفاً بل و قمة من قمم نبال الفعال بالاستشهاد لأن هذا ما يتطلبه الخير الإلهي ، و من ثم تظهر القيم التي ينسبونها للدين مشوشة على العقل البشري ، لسبب بسيط هو أن قواعد الدين غير قابلة للنقاش أخذاً و عطاء و نفياً و إثباتاً بالعقل البشري ، لذلك تؤدي بصاحبها إن حاول إلباسها غير ما فيها إلى أحكام خاطئة تقوم على مسلمات خاطئة ، فتؤدي إلى نتائج كارثية لا علاقة لها بأى قيم . و للتوضيح بالمثال ، فإن طقس الذبح في الحج هو قربان للإله ، بينما هو في نظر القيم الإنسانية إهدار بلا ثمن لثروة حيوانية هائلة ، و عملية وحشية بلا معنى تجز ملايين الخراف دون أى عائد سوى تركها لتتعفن ، و ظل أمرها طويلاً محل أخذ و رد حتى أمكن التصريح بتعليبها و تصنيعها . ناهيك عن رجم إبليس الحجري و تقبيل حجر نيزكي و تقديسه و الطواف حول بناء حجري ، كلها طقوس دينية يقبل بها المؤمن و يسلم و يطيع ، لا مجال فيها لمناقشة أو حوار ، لذلك يجب ترك الدين ديناً ، و عدم خلطه لا بعلم و لا بفلسفة ، فهو غير قابل للمناقشة ، و خلطه بغيره يصيب العقل بالاضطراب ، و يصيب الواقع بالكوارث ، و يصيب الدين بما لا نحب و لا نشتهي .
أضف إلى ذلك لابد أن يتبادرإلى الذهن السؤال حول قيم مثل سبي الجواري و نكاحهن في أرض المعركة كما حدث في غزوات النبي و بخاصة في خيبرحيث فشى إتيان الحبالى بجوار الأب أو الزوج المذبوح ، حتى نهى النبى عن وطء الحبالى ، وحتى نهر بلال بن رباح وهو ينكح إحداهن الى جوار أهلها القتلى ، في عمليات هتك عرض جماعي علني للسبايا ، و تحويل الأسرى فى حروب الفتوحات من أحرار إلى عبيد يباعون في الأسواق ، و كذلك مسألة ملك اليمين والجواري ، و كذلك مصادرة ممتلكات الشعوب في نظام الفيئ الإسلامي ، كلها دين نسمع له و نطيع ، لا نلتمس له تبريراً ، و لا تجميلاً ، فهو ديننا الذي نؤمن به كما هو دون شعور بخجل أو عار ،ونحبة دون حاجة لمبررات ، لأن قيم زمانة لا علاقة لها بما نفهمه اليوم عن القيم .
لذلك تؤكد الدكتورة دياب : " إن القيمة مسألة إنسانية و شخصية و ليست شيئاً مجرداً مستقلاً بذاته عن السلوك الشخصي ، بل هي متغلغلة فيه لأنها تنبع من نفسه و من رغباته لا من الشئ الخارجى ، فالأشياء من وجهة النظر الطبيعية التجريبية حيادية ، أى ليست في ذاتها قبيحة أو جميلة إنما هذه أحكام نصدرها عليها ، هي القيم المنبثقة عن اهتمامنا / نفس الصفحة " .
إذن فالقيم كما يتحدث عنها الفلاسفة و المفكرون و علماء النفس و الاجتماع هي شئ لا علاقة له بدين من الأديان من قريب أو بعيد ، و ليس أدل على ما أقول هنا ، ان السلف الصالح و الدين نفسه لم يبحثوا موضوعها كما يفعل فقهاء زماننا اليوم .
و إذا كنا كمسلمين نعتقد أن ديننا قد ولد كاملاً غير منقوص و لا يعاني من قصور لأنه يمثل قدره صاحبه الكامل ، فإن ما يفعله فقهاء المسلمين المعاصرين من محاولات ربطه بكل كشف و كل حدث و كل علم و بكل فلسفة ، يعني أنهم يشعرون مع كل جديد بنقص في دينهم لم يتوفر فيه هذا الجديد ، فيقومون بمحاولة استكمال هذا النقص بالإضافة إلية و الزياده فيه ، و هذا هو تعريف البدعة المكروهة في الإسلام . فالدين لا حاجة به لبشر يستكملونه لأنه قد ولد كاملاً ، إما أن نؤمن به بكليته ديناً أو لا نؤمن ، لكن لا ندلس و لانكذب كما يفعلون وهم المتحدثون بإسمه ، كذلك الدين ليس من صنع جيل من البشر ، حتى يحق للأجيال التالية التعديل فيه بالإضافات المتكاثرة مع كل محدث .
هذا ، ناهيك عن كون الدين الإسلامي لم ينتقد القيم الإنسانية الوضعية ( الإكسيولوجية ) بأى من أصوله قرآناً أم سنة ولم يندد بها ، رغم وجود هذه القيم قبل ظهور الإسلام بقرون متطاولة عند فلاسفة اليونان ، و قد سكت عنها الإسلام و عن ذكرها و عن انتقادها إيجابياً أو سلبياً ، لأن الله كان عالماً بطبيعة مجتمع الرسالة الخاتمة ، و عجزه عن استيعاب موضوع القيم ، و ترك لأجيال المسلمين اللاحقة حين تكتمل نضجاً و رقياً لتدرك القيم و تسعى إليها ، و هو ما فعلته في التاريخ الإسلامي عن جدارة ، الدولة العباسية حتى زمن الرشيد و المأمون . و لا تعلم لماذا كل هذا الجهد من دكاترة الأزهر و الأوقاف في تدييج كتب الكراهية و مهاجمة ما لم يهاجمه الله و رسوله ، و يعيبون ما كان سبباً في نهضة عباسية ......و هي نقطة الضوء الوحيدة في تاريخنا المخيف .
و ليس الإسلام وحده هو ما ننكر صلته بأى قيم بمعناها الدقيق ، بل ننكرها على كل الأديان ، فبينما القيم لازمة و ضرورية لحياتنا العملية الدنيوية ، فإن تعاليم الأديان تهمش الدنيا و تحقرها كمادة فانية ، وما وجدت الدنيا لا لتكون معبراً نبتلي فيه و نمتحن ، فإن الدنيا ليست سوى مصيدة ، تصطاد منها جهنم فرائسها ، و على المؤمن التقي أن يستثمر وجوده في هذه الدنيا ليستزيد من العبادة و أداء الطقوس و الفروض و الشعائر و البكاء و الزهد و التهجد و الانقطاع بحيث لا يقيم لها وزناً ، لأنها في النهاية دينا فانية زائلة لا أمل يرجي منها ، و ما المؤمن إلا عابر سبيل فيها نحو الأبدية .
هذا بينما فلسفة القيم تقوم أساساً على حب الحياة الدنيا و احترامها و العمل على صلاح هذه الحياة و صيانتها ، لأنها محل ممكنات فعلنا و قدراتنا ، فالحياة الأخرى الأبدية لا دخل لنا فيها و لا ممكنات لدينا لتغييرها ، فلسفة القيم تتوج الاجتماع البشري بإرساء مفاهيم كالحريات بألوانها و الكرامة و المساواة و المحبة بين الناس ، و رفع الظلم و إحقاق الحق و عشق الجمال و صنعه و إبداعه فنوناً ترقى بالحس و الروح ، و وضع القوانين اللازمة لحماية هذه القيم من التعدي عليها أو كسرها بما يتماشى و مصلحة المجتمع لا مصلحة الدين و لا مصلحة أى إله كان .
و الحقيقة الواضحة أن الدين لا يعطي قيماً لأنه لو أعطاها فستكون صارمة ثابتة ، و لأن الله يعلم كما يعلم البشر أن للقيم درجات غير ثابتة و نسبية ، لذلك لم يعطينا الله قيماً دينية لأن الدين مجموعة أوامر و إملاءات . و الدين نفسه يوظف حكاية إبليس توظيفاً يؤدي إلى نتيجة مفادها : " أن الأوامر و الإملاءات هي السبب الأول في ظهور الشر " ، فحسب القصة الإسلامية نجد أنه قبل خلق آدم كانت الملائكة ، و هي مصممة للتعبد و الطاعة فقط ، لذلك فعلها كله لايمكن وصفة بالخير أو بالشر ، و لم يعرف الكون الشر حتى ظهر آدم ، و كان أول شر هو ماارتكبه إبليس ، و مصدرة ( أمر و إملاء ) من الخالق ليسجد إبليس لآدم ، و هو ما انتقص من تصميم إبليس و تركيبه الخلقي ، فداخل هذا التصميم مبدأ ثابت و هو ألا يسجد لغير الله ، فأطاع تكوينه و خلقته التي هي بمعنى من المعاني مساحة حريتهالوحيدة المتاحة لة ، و من ثم كان الأمر انتقاصاً من هذه الحرية و أمره الله بالسجودلإثنين آدم واللة وهو بعكس الكتالوج الموجود بداخله و الذي يعتقد أنه هو كل الحرية ،فالعبودية للة مصممة باخل خلقتة ولا شيء أوبدائل أخرى متاحة للإختيار ، فهو اختيار واحد إن جاز التعبير، هى الحرية ذاتها لأنة لن يسجد لسواة ، فكان أن رفض السجود لآدم ، و كان الشر الأول في تاريخ العالم بعصيان الخالق الذى أربك مخلوقة مابين فطرتة التى فطرة عليها وبين أمرة لة بالسجود لغيرة . كان رفض إبليس السجود لغير الله هو أول الشرور ، لأنه مارس حريته المتفقة مع خلقته فى عدم السجود لغير اللة ، و اختار ضد الأمر و الفرض والإملاء ، و عليه . . . إذن عندما صدر الأمر الأول............ جاء الشر الأول !!.إبليس و تمسكاً منه بتوحيد الله و تنزيهه رفض السجود لغيره ، خاصة و أن هذا الغير أدنى من الله مرتبة و أدنى من إبليس نفسه درجات ، فعصى إبليس ربه فظهر الشر .
ملمح آخر تتضمنه ذات الحكاية ، فمع أول أمر لآدم بعدم الأكل من ثمرة بعينها ، صاحبة ظهور الشر بالتمرد على الأمر ، لأن كلا الأمرين : احدهما أنقص من حرية إبليس في عدم العبودية لغير اللة ، و ثانيهما أنقص من حرية آدم في الاختيار الذى هة خاصيتة الخلقية ، و هو مصمم تكوينياً ليكون حراً مختاراً حتى يمكن تفعيل عقيدة الحساب يوم الدين بمسؤليتة عن فعالة التى اختارها بخلقتة الحرة . فحدثت أول الشرور ، لأن الأصل في الخلق البشري هو الحرية المطلقة غير المقيدة بقيم ثوابت رواسخ لا تقبل تبديلاً على العكس تماما من حال إبليس . أى أنة على أى حال بين النقيضين فإن الأصل في الخلق هو الحرية ، حرية إبليس فى ألا يسجد إلا للة ، وحرية آدم فى الاختيار دون حد هذة الحرية ، في درس رباني بليغ يشرح كيف جاء الشر بعصيان الرب من أعرف الخلق به و أقربهم إليه ، من إبليس طاووس الملائكة ، و من آدم الذي خلق الله الدنيا كلها من أجله . فإن قالوا أن قيمة الخير غير قابلة للتعريف ، نقول : إن الخير هو بشديد البساطة = الحرية .
و الدرس المستفاد هنا من ترتيب رب العزة للأحداث التي ما كانت تحدث إلا بإرداة منه و تصميم مسبق ، أن الأصل في الخلق هو الخير و الخير هو الحرية التامة ، و أن الأصل في الشر هو الانتقاص من هذه الحرية بأوامر ونواهى تحد أو تحظر أو تمنع ، الله يريد أن يبلغ أصحاب العقول منا أنه كلما زادت القيود و الفتاوي و الخطوط الحمراء ، كلما قلت الحرية ، كلما استفحل الشر . . . .
و لازال لنا مع ثقافة القيم قول قد يطول .



#سيد_القمنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلسلة فلسفة القيم 3 من هو صاحب القيم ؟ اللة أم الإنسان ..... ...
- سلسلة فلسفة القيم - فلسفة القيم إبداع إنسانى لا إلهى
- سلسلة فلسفة القيم - قيمنا ... و قيمهم ؟ !
- الشك فى تاريخنا المقدس هو أول الصواب
- فلسفة القيم (3) دعوة مفتوحة لمناظرة قرضاوى
- فلسفة القيم ... نحو إصلاح القيم: ( 1 )
- فلسفة القيم (2)
- خريطة الطريق نحو الإصلاح : ( 8 )
- الإصلاح 6 - قيمة الوفاء بالعهد ( ب – النقض الثاني لصحيفة الم ...
- خريطة الإصلاح 6
- خريطة الإصلاح 5
- خريطة الإصلاح 4
- خريطة الطريق نحو الإصلاح ( تشخيص الحالة : إنقاذ الإسلام من ب ...
- خريطة الطريق نحو الإصلاح ( تشخيص الحالة : إنقاذ الإسلام من ب ...
- خريطة الطريق نحو الإصلاح ( تشخيص الحالة: إنقاذ الإسلام من بر ...
- مستقبل الدولة الدينية- هل فى الإسلام دولة ونظام حكم ؟
- حوار مفتوح . . . مع أبي الفتوح
- الدفوع الشرعية عن المفتى وعطية
- الدولة الوهم
- الإسلام و الحضارة


المزيد.....




- بالتزامن مع ذكرى النكبة: مجموعات متطرفة تهدد برفع علم الاحتل ...
- المسجد الأقصى على موعد مع استفزاز إسرائيلي جديد من نوعه في ذ ...
- رئيس وزراء اليونان إلى تركيا.. ويفتح ملف -الكنيسة التي تحولت ...
- متى يكون المسلمون أغلبية في أوروبا؟
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى
- فيديو خاص: نداء عاجل من طلاب موريتانيا إلى الأمة الإسلامية؟ ...
- خطة مدغشقر.. يوم قررت ألمانيا النازية ترحيل اليهود إلى مستعم ...
- بالفيديو.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تسهدف قاعدة -رام ...
- “ابسطي طفلك” تردد قناة طيور الجنة الجديد على نايل سات وعرب س ...
- اجعل أطفالك يمرحون… اضبطها الآن || تردد قناة طيور الجنة الجد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيد القمنى - فلسفة القيم 4 - نحو تأسيس ثقافة للقيم التحريم بالأمر والنهى ... شر توقفة الحرية .....!!